فصل: ذكر عمرة القضاء

مساءً 9 :55
/ﻪـ 
1446
جمادى الاخرة
29
الإثنين
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكامل في التاريخ **


 ذكر عمرة الحديبية

في هذه السنة خرج رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ معتمرًا في ذي القعدة لا يريد حربًا ومع جماعة من المهاجرين والأنصار ومن تبعه من الأعراب ألف وأربعمائة وقيل‏:‏ ألف وخمسمائة وقيل‏:‏ ثلاثمائة وساق الهدي معه سبعين بدنه ليعلم الناس أنه إنما جاء زائرًا للبيت‏.‏

فلما بلغ عسفان لقيه بسر بن سفيان الكعبي فقال‏:‏ يا رسول الله هذه قريش قد سمعوا بمسيرك فاجتمعوا بذي طوىً يحلفون بالله لا تدخلها عليهم أبدًا وقد قدموا خالد بن الوليد إلى كراع الغميم‏.‏

وقيل‏:‏ إن خالدًا كان مع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ مسلمًا وإنه أرسله فلقي عكرمة بن أبي جهل فهزمه والأول أصح‏.‏

ولما بلغه بسر ما فعلت قريش قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‏:‏ يا ويح قريش قد أكلتهم الحرب‏!‏ ماذا عليهم لو خلوا بيني وبين سائر الناس فإن أصابوني كان الذي أرادوا وإن أظهرني الله دخلوا في الإسلام وافرين والله لا أزال أجاهدهم على الذي بعثني الله به حتى يظهره الله أو تنفرد هذه السالفة‏.‏ثم خرج على غير الطريق التي هم بها وسلك ذات اليمين حتى سلك ثنية المرار على مهبط الحديبية فبركت به ناقته فقال الناس‏:‏ خلأت‏.‏

فقال‏:‏ ما خلأت ولكن حبسها حابس الفيل عن مكة لا تدعوني قريش اليوم إلى خطة يسألوني فيها صلة الرحم إلا أعطيتهم إياها‏.‏

ثم قال للناس‏:‏ انزلوا‏.‏

فقالوا‏:‏ ما بالوادي ماء‏.‏

فأخرج سهمًا من كنانته فأعطاه رجلًا من أصحابه فنزل في قليب من تلك القلب فغرزه في جوفه فجاش الماء بالري حتى ضرب الناس عنه بعطن وكان اسم الذي أخذ السهم ناجية بن عمير سائق بدن النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏

فبينما هم كذلك أتاهم بديل بن ورقاء الخزاعي في نفر من قومه خزاعة وكانت خزاعة عيبة نصح رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ من تهامة فقال‏:‏ تركت كعب بن لؤي وعامر بن لؤي قد نزلوا أعداد مياه الحديبية وهم مقاتلوك وصادوك عن البيت‏.‏

فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ إنا لم نأتي لقتال أحد ولكنا جئنا معتمرين وإن شاءت قريش ماددناهم مدة ويخلوا بيني وبين الناس وإن أبوا فوالذي نفسي بيده لأقاتلنهم على أمري هذا حتى تنفرد سالفتي‏.‏

فانطلق بديل إلى قريش فأعلمهم ما قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقام عروة بن مسعود الثقفي فقال‏:‏ إن هذا الرجل عرض عليكم خطة رشد فاقبلوها دعوني آته‏.‏

فقالوا‏:‏ ائته‏.‏

فأتاه وكلمه فقال له‏:‏ يا محمد جمعت أوشاب لناس ثم جئت بهم إلى بيضتك لتفضها بهم إنها قريش خرجت معها العوذ المطافيل قد لبسوا جلود النمور يعاهدون الله أنك لا تدخلها عليهم عنوةً أبدًا وايم الله بكأني بهؤلاء قد تكشفوا عنك غدًا‏.‏

فقال أبو بكر‏:‏ امصص بظر اللات‏!‏ أنحن ننكشف عنه قال‏:‏ من هذا يا محمد قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ هذا ابن أبي قحافة‏.‏

فقال‏:‏ أما والله لولا يد لك عندي لكافأتك بها‏.‏

ثم جعل يتناول لحية رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو يكلمه والمغيرة بن شعبة واقف على رأس رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الحديد فجعل يقرع يده إذا تناولها ويقول له‏:‏ اكفف يدك قبل أن لا تصل إليك‏.‏

فقال عروة‏:‏ من هذا قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ هذا ابن أخيك المغيرة‏.‏

فقال‏:‏ أي غدر‏!‏ وهل غسلت سوأتك إلا بالأمس وكان المغيرة قد قتل ثلاثة عشر رجلًا من بني مالك وهرب فتهايج الحيان بن و مالك رهط المقتولين والأحلاف رهط المغيرة فودى عروة للمقتولين ثلاث عشرة ديةً وأصلح ذلك الأمر‏.‏

وطال الكلام بينهما فقال له النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ نحو مقالته لبديل فقال له عروة‏:‏ يا محمد أرأيت إن استأصلت قومك فهل سمعت بأحد من العرب اجتاح أصله قبلك وجعل يرمق أصحاب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فوالله لا يتنخم النبي نخامةً إلا وقعت في كف أحدهم فدلك بها وجهه وجلده وإن أمرهم ابتدروا أمره وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه فرجع عروة إلى أصحابه وقال‏:‏ أي قوم قد وفدت على كسرى وقيصر والنجاشي فوالله ما رأيت ملكًا قط يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمدٍ محمدًا‏!‏ وحدثهم ما رأى وما قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏.‏

فقال رجل من كنانة اسمه الحليس بن علقمة وهو سيد الأحابيش‏:‏ دعوني آته‏.‏

فقالوا‏:‏ ائته فلما رآه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال‏:‏ هذا فلان وهو من قوم يعظمون البدن فابعثوا الهدي في وجهه فلما رأى الهدي رجع إلى قريش ولم يصل إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال‏:‏ يا قوم قد رأيت ما لا يحل صده الهدي في قلائده‏.‏

فقالوا‏:‏ اجلس فإنما أنت أعرابي لا علم لك‏.‏

فقال‏:‏ والله ما على هذا حالفناكم أن تصدوا عن البيت من جاء معظمًا له والذي نفسي بيده لتخلن بين محمد وبين البيت أو لأنفرن بالأحابيش نفرة رجل واحد‏.‏

قال‏:‏ فقالوا‏:‏ مه‏!‏ كف عنا يا حليس حتى نأخذ لأنفسنا‏.‏

فقام رجل منهم يقال له مكرز بن حفص فقال‏:‏ دعوني آته‏.‏

فقالوا‏:‏ افعل‏.‏

فلما أشرف على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال لأصحابه‏:‏ هذا رجل فاجر فجعل يكلم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فبينما هو يكلمه إذ جاء سهيل بن عمرو فلما جاء قال النبي‏:‏ سهل أمركم‏.‏

وقال ابن إسحاق‏:‏ إن قريشًا إنما بعثت سهيلًا بعد رسالة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ مع عثمان بن عفان قال‏:‏ لما رجع عروة بن مسعود إلى قريش بعث رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ خراش بن أمية الخزاعي إلى قريش على جمل له يقال له الثعلب ليبلغ عنه فعقروا به جمل رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأرادوا قتله فمنعته الأحابيش وخلوا سبيله حتى أتى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فدعا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عمر ليرسله إلى مكة فقال‏:‏ ليس بمكة من بني عدي من يمنعني وقد علمت قريش عداوتي لها وأخافها على نفسي فأرسل عثمان فهو أعز بها مني‏.‏

فدعا عثمان فأرسله ليبلغ عنه فانطلق فلقيه أبان ابن سعيد بن العاص فأجاره فأتى أبا سفيان وعظماء قريش فبلغهم عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقالوا لعثمان حين فرغ من أداء الرسالة‏:‏ إن شئت أن تطوف بالبيت فطف به فقال‏:‏ ما كنت لأفعل حتى يطوف به النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏

فاحتبسته قريش عندها فبلغ النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قد قتل فقال‏:‏ لا نبرح حتى نناجز القوم‏.‏

ثم دعا الناس إلى البيعة فبايعوه تحت الشجرة وهي سمرة لم يتخلف منهم أحد إلا الجد بن قيس وكان أول من بايعه رجل من بني أسد يقال له أبو سنان‏.‏

ثم أتى الخبر أن عثمان لم يقتل‏.‏

ثم بعثت قريش سهيل بن عمرو أخا عامر بن لؤي إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ليصالحه على أن يرجع عنهم عامه ذلك فأقبل سهيل إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأطال معه الكلام وتراجعا ثم جرى بينهم الصلح فدعا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ علي بن أبي طالب فقال‏:‏ اكتب باسم الله الرحمن الرحيم‏.‏

فقال سهيل‏:‏ لا نعرف هذا ولكن اكتب‏:‏ باسمك اللهم فكتبها ثم قال‏:‏ اكتب‏:‏ هذا ما صالح عليه محمد رسول الله سهيل بن عمرو - فقال سهيل‏:‏ لو نعلم أنك رسول الله لم نقاتلك ولكن اكتب اسمك واسم أبيك‏.‏

فقال لعلي‏:‏ امح رسول الله‏.‏

فقال‏:‏ لا أمحوك أبدًا‏.‏

فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلمن وليس يحسن يكتب فكتب موضع رسول الله‏:‏ محمد بن عبد الله وقال لعلي‏:‏ لتبلين بمثلها - اصطلحا على وضع الحرب عن الناس عشر سنين وأنه من أتى منهم رسول الله بغير إذن وليه رده إليهم ومن جاء قريشًا ممن مع رسول الله لم يردوه عليه ومن أحب أن يدخل في عهد رسول الله دخل ومن أحب أن يدخل في عهد قريش دخل فدخلت خزاعة في عهد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ودخلت بنو بكر في عهد قريش وأن يرجع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عنهم عامة ذلك فإذا كان عام قابل خرجنا عنك فدخلتها بأصحابك فأقمت بها ثلاثًا وسلاح الراكب السيوف في القرب‏.‏

فبينا النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يكتب الكتاب إذ جاء أبو جندل ابن سهيل بن عمرو يرسف في الحديد قد انفلت إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وكان أصحاب النبي لا يشكون في افتح لرؤيا رآها رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فلما رأوا الصلح دخلهم من ذلك أمر عظيم حتى كادوا يهلكون‏.‏

فلما رأى سهيل ابنه أبا جندل أخذه وقال‏:‏ يا محمد قد تمت القضية بيني وبينك قبل أن يأتيك هذا‏.‏

قال‏:‏ صدقت وأخذه ليرده إلى قريش فصاح أبو جندل‏:‏ يا معشر المسلمين أرد إلى المشركين ليفتنوني عن ديني‏!‏ فزاد الناس شرًا إلى ما بهم فقال له رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏:‏ احتسب فإن الله جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجًا ومخرجًا إنا قد أعطينا القوم عهودنا على ذلك فلا نغدر بهم‏.‏

قال‏:‏ فوثب عمر بن الخطاب يمشي مع أبي جندل ويقول له‏:‏ اصبر واحتسب فإنما هم المشركون وإنما دم أحدهم دم كلب‏!‏ وأدنى قائم السيف منه رجاء أن يأخذه فيضرب به أباه قال‏:‏ فبخل الرجل بأبيه‏.‏

وشهد على الصلح جماعة من المسلمين فيهم أبو بكر وعمر وعبد الرحمن بن عوف وغيرهم وجماعة من المشركين‏.‏

فلما فرغ النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من قضيته قال‏:‏ قوموا فانحروا ثم احلقوا فما قام أحد حتى قال ذلك مرارًا فلما لم يقم أحد منهم دخل على أم سلمة فذكر لها ذلك فقالت‏:‏ يا نبي الله اخرج ولا تكلم أحدًا منهم حتى تنحر بدنك وتحلق شعرك ففعل فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا وحلقوا حتى كاد بعضهم يقتل بعضًا غمًا‏.‏

فما فتح في الإسلام قبله فتح كان أعظم منه حيث أمن الناس كلهم فدخل في الإسلام تينك السنتين مثل ما دخل فيه قبل ذلك وأكثر‏.‏فلما قدم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ المدينة جاءه أبو بصير عتبة بن أسيد بن جارية الثقفي وهو مسلم وكان ممن حبس بمكة فكتب فيه الأزهر بن عبد عوف والأخنس بن شريق وبعثا فيه رجلًا من بني عامر بن لؤي ومعه مولى لهم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ قد علمت أنا قد أعطينا هؤلاء القوم عهدًا ولا يصلح الغدر في ديننا‏.‏

فانطلق معهما إلى ذي الحليفة فجلسوا وأخذ أبو بصير سيف أحدهما فقتله به وخرج المولى سريعًا إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فأخبره بقتل صاحبه ثم أقبل أبو بصير فقال‏:‏ يا رسول الله قد وفت ذمتك وأنجاني الله منهم‏.‏

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ويل امه مسعر حرب لو كان له رجال‏!‏ فلما سمع ذلك عرف أنه سيرده إليهم فخرج أبو بصير حتى نزل بناحية ذي المروة على ساحل البحر على طريق قريش إلى الشام وبلغ المسلمين الذين كانوا احتبسوا بمكة ذلك فخرجوا إلى أبي بصير منهم أبو جندل فاجتمع إليه قريب من سبعين رجلًا فضيقوا على قريش يعترضون العير تكون لهم فأرسلت قريش إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يناشدونه الله والرحم لما أرسل إليهم فمن أتاه فهو آمن فآواهم رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

وفيها نزلت سورة الفتح وهاجر إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ نسوة مؤمنات فيهن أم كلثوم ابنة عقبة بن أبي معيط فجاء أخواها عمارة والوليد يطلبانها فأنزل الله‏:‏ ‏{‏فَإنْ عَلِمْتُمُوهُنّ مُؤمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُن إلى الكُفّارِ‏}‏ ‏[‏الممتحنة‏:‏ 10‏]‏‏.‏ الآية فلم يرسل امرأة مؤمنة إلى مكة وأنزل الله‏:‏ ‏{‏وَلاَ تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الكَوَافِرِ‏}‏ ‏[‏ الممتحنة‏:‏ 10‏]‏‏.‏ فطلق عمر بن الخطاب امرأتين له إحداهما قريبة بنت أبي أمية والثانية أم كلثوم بنت عمرو بن جرول الخزاعي وهما مشركتان فتزوج أم كلثوم أبو جهم بن حذيفة ابن غانم‏.‏

بسر بضم الباء الموحدة وسكون السين المهملة وآخره راء‏.‏

بصير بالباء الموحدة المفتوحة والصاد المهملة المكسورة والياء الساكنة تحتها نقطتان وآخره راء أيضًا‏.‏

وأسيد بفتح الهمزة وكسر السين‏.‏

وجارية بالجيم وآخره راء أيضًا‏.‏

والحليس بضم الحاء المهملة وفتح اللام وبعده ياء تحتها نقطتان وآخره سين مهملة‏.‏

وفيها كانت عدة من سرايا وغزوات‏:‏ منها سرية عكاشة بن محصن أربعين رجلًا إلى الغمر فنذر بهم القوم فهربوا فسعت الطلائع فوجدوا مائتي بعير فأخذوها إلى المدينة وكانت في ربيع الآخر‏.‏

ومنها سرية محمد بن مسلمة أرسله رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في عشرة فوارس في ربيع الأول إلى بني ثعلبة بن سعد فكمن القوم له حتى نام هو وأصحابه وظهروا عليهم فقتل أصحابه ونجا هو وحده جريحًا‏.‏ومنها سرية أبي عبيدة بن الجراح إلى ذي القصة في ربيع الآخر في أربعين رجلًا فهرب أهله منهم وأصابوا نعمًا ورجلًا واحدًا أسلم فتركه رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏.‏

ومنها سرية زيد بن حارثة بالجموم فأصاب امرأة من مزينة اسمها حليمة فدلتهم على محلة من حال بني سليم فأصابوا نعمًا وشاء وأسرى فيهم زوجها فأطلقها رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وزوجها معها‏.‏

ومنها سرية زيد أيضًا إلى العيص في جمادى الأولى وفيها أخذت الأموال التي كانت مع أبي العاص بن الربيع واستجار بزينب بنت النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فأجارته‏.‏

وقد تقدم ذكره في غزوة بدر‏.‏

ومنها سرية زيد أيضًا إلى الطرف في جمادى الآخرة إلى بني ثعلبة في خمسة عشر رجلًا فهربوا منه وأصاب من نعمهم عشرين بعيرًا‏.‏

ومنها سرية زيد بن حارثة إلى حسمى في جمادى الآخرة‏.‏

وسببها أن رفاعة بن زيد الجذامي ثم الضبي قدم على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في هدنة الحديبية وأهدى لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ غلامًا وأسلم فحسن إسلامه وكتب له رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ كتابًا إلى قومه يدعوهم إلى الإسلام فأسلموا ثم ساروا إلى ثم إن دحية بن خليفة الكلبي أقبل من اشام من عند قيصر حتى إذا كان بأرض جذام أغار عليه الهنيد بن عوص بن الهنيد الضليعيان وهو بطن من جذام فأخذا كل شيء معه فبلغ ذلك نفرًا من بني الضبيب قوم رفاعة ممن كان أسلم فنفروا إلى الهنيد وابنه فلقوهما واقتتلوا فظفر بنو الضبيب واستنقذوا كل شيء أخذ من دحية وردوه عليه فخرج دحية حتى قدم على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فأخبره خبره وطلب منه دم الهنيد وابنه عوص فأرسل رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إليهم زيد بن حارثة في جيش فأغاروا بالفضافض وجمعوا ما وجدوا من مال وقتلوا الهنيد وابنه‏.‏

فلما سمع بذلك بنو الضبيب رهط رفاعة بن زيد سار بعضهم إلى زيد بن حارثة فقالوا‏:‏ إنا قوم مسلمون‏.‏

فقال زيد‏:‏ فاقرأوا أم الكتاب فقرأها حسان بن ملة‏.‏

فقال زيد‏:‏ نادوا في الجيش‏:‏ إن الله حرم علينا ما أخذ من طريق القوم التي جاؤوا منها وأراد أن يسلم إليهم سباياهم فأخبره بعض أصحابه عنهم بما أوجب أن يحتاط فتوقف في تسليم السبايا وقال‏:‏ هم في حكم الله ونهى الجيش أن يهبطوا واديهم‏.‏

وعاد أولئك الركب الجذاميون إلى رفاعة بن زيد وهو بكراع ربة لم يشعر بشيء من أمرهم فقال له بعضهم‏:‏ إنك لجالسٌ تحلب المعزى ونساء جذام أسارى قد غرهن كتابك الذي جئت به‏.‏

فسار رفاعة والقوم معه إلى المدينة وعرض كتاب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال‏:‏ كيف أصنع بالقتلى فقالوا‏:‏ لنا من كان حيًا ومن قتل فهو تحت أقدامنا يعنون تركوا الطلب به‏.‏

فأجابهم إلى ذلك وأرسل معهم علي بن أبي طالب إلى زيد بن حارثة فرد على القوم مالهم حتى كانوا ينتزعون ليد المرأة تحت الرجل وأطلق الأسارى‏.‏

ربة بالراء والباء الموحدة‏.‏

والضبيب بضم الضاد المعجمة تصغير ضب - وقيل‏:‏ هو بفتح الضاد وكسر الباء وآخره نون - نسبة إلى ضبيبة‏.‏

ومنها سرية زيد أيضًا إلى وادي القرى في رجب‏.‏

ومنها سرية عبد الرحمن بن عوف إلى دومة الجندل في شعبان فأسلموا فتزوج عبد الرحمن تماضر بنت الأصبغ رئيسهم وهي أم أبي سلمة‏.‏

ومنها سرية علي بن أبي طالب إلى فدك في شعبان في مائة رجل وذلك أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بلغه أن حيًا من بني سعد قد تجمعوا له يريدون أن يمدوا أهل خيبر فسار إليهم علي فأصاب عينًا لهم فأخبره أنه سار إلى أهل خيبر يعرض عليهم نصرهم على أن يجعلوا لهم تمر خيبر‏.‏

ومنها سرية زيد بن حارثة إلى أم فرقة في رمضان وكانت عجوزًا كبيرة فلقي زيد بن فزارة بوادي القرى فأصيب أصحابه وارتث زيد من بين القتلى فنذر أن لا يمس ماء من جنابة حتى يغزو فزارة فبعثه رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إليهم فلقيهم بوادي القرى فأصاب منهم وقتل وأسر أم قرفة وهي فاطمة بنت ربيعة بن بدر عجوز كبيرة وبنتًا لها فربط أم قرفة بين بعيرين فشقاها نصفين وقدم على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بابنتها وكانت لسلمة بن الأكوع فأخذها رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ منه هبةً وأرسلها إلى حرب بن أبي وهب فولدت له عبد الله بن حرب‏.‏

وأما سلمة بن الأكوع فإنه جعل أمير هذه السرية أبا بكر فروي عنه أنه قال‏:‏ أمر رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ علينا أبا بكر فغزونا ناسًا من بني فزارة فشننا عليهم الغارة صلاة الصبح فأخذت منهم جماعة وسقتهم إلى أبي بكر وفيها امرأة من بني فزارة معها بنت لها من أحسن العرب فنفلني أبو بكر بنتها فقدمت المدينة فلقيت النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالسوق فقال لي‏:‏ يا أبا سلمة لله أبوك هب لي المرأة‏.‏

فقلت‏:‏ والله لقد أعجبتني وما كشفت لها ثوبًا‏.‏

فسكت ثم عاد من الغد فوهبتها له فبعث بها إلى مكة ففادى بها أسارى من المسلمين‏.‏

ومنها سرية كرز بن جابر الفهري إلى العرنيين الذين قتلوا راعي النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ واستاقوا الإبل في شوال‏.‏

وبعثه رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في عشرين فارسًا‏.‏وفيها تزوج عمر بن الخطاب جميلة بنت ثابت بن أبي الأفلح أخت عاصم فولدت له عاصمًا فطلقها وتزوجها بعده يزيد بن جارية فولدت له عبد الرحمن بن يزيد فهو أخو عاصم لأمه‏.‏

جارية بالجيم وبعد الراء ياء تحتها نقطتان‏.‏

وفيها أجدب الناس جدبًا شديدًا فاستسقى رسول الله بالناس في رمضان‏.‏

 ذكر مكاتبة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ الملوك

وفيها بعث رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ الرسل إلى كسرى وقيصر والنجاشي وغيرهم وأرسل حاطب بن بلتعة إلى المقوقس بمصر وأرسل شجاع بن وهب الأسدي إلى الحارث بن أبي شمر الغساني وأرسل دحية إلى قيصر وأرسل سليط بن عمرو العامري إلى هوذة بن علي الحنفي وبعث عبد الله بن حذافة إلى كسرى وأرسل عمرو بن أمية الضمري إلى النجاشي وأرسل العلاء بن الحضرمي إلى المنذر بن ساوى أخي عبد القيس وقيل‏:‏ إن إرساله كان سنة ثمان والله أعلم‏.‏

فأما المقوقس فإنه قبل كتاب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأهدى إليه أربع جوار منهن مارية وأما قيصر وهو هرقل فإنه قبل كتاب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وجعله بين فخذيه وخاصرته وكتب إلى رجل برومية كان يقرأ الكتب يخبره شأنه فكتب إليه صاحب رومية‏:‏ إنه النبي الذي كنا ننتظره لا شك فيه فاتبعه وصدقه‏.‏

فجمع هرقل بطارقة الروم في الدسكرة وغلقت أبوابها ثم اطلع عليهم من علية وخافهم على نفسه وقال لهم‏:‏ قد أتاني كتاب هذا الرجل يدعوني إلى دينه وإنه والله النبي الذي نجده في كتابنا فهلم فلنتبعه ونصدقه فتسلم لنا دنيانا وآخرتنا‏.‏

فنخروا نخرة رجل واحد ثم ابتدروا الأبواب ليخرجوا فقال‏:‏ ردوهم علي وخافهم على نفسه وقال لهم‏:‏ إنما قلت لكم ما قلت لأنظر كيف صلابتكم في دينكم وقد رأيت منكم ما سرني فسجدوا له وانطلق وقال لدحية‏:‏ إني لأعلم أن صاحبك نبي مرسلٌ ولكني أخاف الروم على نفسي ولولا ذلك لا تبعته فاذهب إلى ضغاطر الأسقف الأعظم في الروم واذكر له أمر صاحبك وانظر ما يقول لك‏.‏

فجاء دحية وأخبره بما جاء به من رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال له ضغاطر‏:‏ والله إن صاحبك نبي مرسل نعرفه بصفته ونجده في كتابنا‏.‏

ثم أخذ عصاه وخرج على الروم وهم في الكنيسة فقال‏:‏ يا معشر الروم قد جاءنا كتاب من أحمد يدعونا إلى الله وإني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله‏.‏

قال‏:‏ فوثبوا عليه فقتلوه‏.‏فرجع دحية إلى هرقل وأخبره الخبر‏.‏

قال‏:‏ قد قلت إنا نخافهم على أنفسنا‏.‏

وقال قيصر للروم‏:‏ هلموا نعطيه الجزية فأبوا فقال‏:‏ نعطيه أرض سورية وهي الشام ونصالحه فأبوا واستدعى هرقل أبا سفيان وكان بالشام تاجرًا إلى الشام في الهدنة فحضر عنده ومعه جماعة من قريش أجلسهم هرقل خلفه وقال‏:‏ إني سائله فإن كذب فكذبوه‏.‏

فقال أبو سفيان‏:‏ لولا أن يؤثر عني الكذب لكذبت فسأله عن النبي قال‏:‏ فصغرت له شأنه فلم يلتفت إلى قولي وقال‏:‏ كيف نسبه فيكم قلت‏:‏ هو أوسطنا نسبًا‏.‏

هل كان من أهل بيته من يقول مثل قوله قلت‏:‏ لا‏.‏

قال‏:‏ فهل له فيكم ملك سلبتموه إياه قلت‏:‏ لا‏.‏

قال‏:‏ فمن اتبعه منكم قلت‏:‏ الضعفاء والمساكين والأحداث‏.‏

قال‏:‏ فهل يحبه من يتبعه ويلزمه أو يقليه ويفارقه قلت‏:‏ ما تبعه رجل ففارقه‏.‏

قال‏:‏ فكيف الحرب بينكم وبينه قلت‏:‏ سجال يدال عينا وندال عليه‏.‏

قال‏:‏ هل يغدر قال‏:‏ فلم أجد شيئًا أغمز به غيرها قلت‏:‏ لا ونحن منه في هدنة ولا نأمن غدره‏.‏

قال‏:‏ فما التفت إليها‏.‏

قال أبو سفيان‏:‏ فقال لي هرقل‏:‏ سألتك عن نسبه فزعمت أنه من أوسط الناس وكذلك الأنبياء وسألتك هل قال أحد من أهل بيته مثل قوله فهو متشبه به فزعمت أن لا وسألتك هل سلبتموه ملكه فجاء بهذا لتردوا عليه ملكه فزعمت أن لا وسألتك عن أتباعه فزعمت أنهم الضعفاء والمساكين وكذلك أتباع الرسل وسألتك عمن يتبعه أيحبه أم يفارقه فزعمت أنهم يحبونه ولا يفارقونه وكذلك حلاوة الإيمان لا تدخل قلبًا فتخرج منه وسألتك هل يغدر فزعمت أن لا ولئن صدقتني ليغلبن على ما تحت قدمي هاتين ولوددت أني عنده فأغسل قدميه‏.‏

انطلق لشأنك‏.‏

قال‏:‏ فخرجت وأنا أضرب إحدى يدي بالأخرى وأقول‏:‏ أي عباد الله لقد أمر أمر ابن أبي كبشة أصبح ملوك الروم يهابونه في سلطانهم‏.‏

قال‏:‏ وقدم عليه دحية بكتاب النبي‏:‏ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏بسم الله الرحمن الرحيم من محمّد رسول الله إلى هرقل عظيم الروم السلام على من اتّبع الهدى أسلمْ تسلمْ وأسلمْ يؤتِك الله أجرك مرّتين وإن تولّيت فإن إثم الأكّارين عليك‏)‏‏.‏ وأما الحارث بن أبي شمر الغساني فأتاه كتاب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ مع شجاع بن وهب فلما قرأه قال‏:‏ أنا سائر إليه فلما بلغ قوله رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال‏:‏ باد ملكه‏.‏

وأما النجاشي فإنه لما جاءه كتاب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ آمن به واتبعه وأسلم على يد جعفر بن أبي طالب وأرسل إليه ابنه في ستين من الحبشة فغرقوا في البحر وأرسل إليه رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ليزوجه أم حبيبة بنت أبي سفيان وكانت مهاجرة بالحبشة مع زوجها عبيد الله بن جحش فتنصر وتوفي بالحبشة فخطبها النجاشي إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فأجابت وزوجها وأصدقها النجاشي أربعمائة دينار فلما سمع أبو سفيان تزويج رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أم حبيبة قال‏:‏ ذاك الفحل لا يقدع أنفه‏.‏

وأما كسرى فجاءه كتاب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ مع عبد الله بن حذافة فمزق الكتاب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ مزق ملكه‏.‏

وكان كتابه‏:‏ ‏(‏بسم الله الرحمن الرحيم من محمّد رسول الله إلى كرسى عظيم فارس سلام على من اتّبع الهدى وآمن بالله ورسوله وشهد أن لا إله إلا الله وأنّ محمّدًا عبده ورسوله وإنّي أدعوك بدعاء الله وإنّي رسول الله إلى النّاس كافّة لأُنذر ‏{‏مَنْ كَانَ حَيًّا وَيَحقَّ القَوْلُ عَلى الكافرين‏}‏ ‏[‏يس‏:‏ 70‏]‏‏.‏ فأسلمْ تسلمْ وإن تولّيت فإنّ إثم المجوس عليك‏)‏‏.‏

فلما قرأه شقه قال‏:‏ يكتب إلي بهذا وهو عبدي‏!‏ ثم كتب إلى باذان وهو باليمن‏:‏ أن ابعث إلى هذا الرجل الذي بالحجاز رجلين من عندك جلدين فليأتياني به‏.‏

فبعث باذان بابويه وكان كاتبًا حاسبًا ورجلًا آخر من الفرس يقال له خرخسره وكتب معهما يأمره بالمسير معها إلى كسرى وتقدم بابويه أن يأتيه بخبر رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وسمعت قريش بذلك ففرحوا وقالوا‏:‏ أبشروا فقد نصب له كسرى ملك الملوك كفيتم الرجل‏.‏

فخرجا حتى قدما على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقد حلقا لحاهما وأعفيا شواربهما فكره النظر إليهما وقال‏:‏ ويلكما من أمركما بهذا قالا‏:‏ ربنا يعنيان الملك‏.‏

فقال‏:‏ لكن ربي أمرني أن أعفي لحيتي وأقص شاربي فأعلماه بما قدما له وقالا‏:‏ إن فعلت كتب باذان فيك إلى كسرى وإن أبيت فهو يهلكك ويهلك قومك‏.‏

فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ارجعا حتى تأتياني غدًا‏.‏

وأتى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ الخبر من السماء‏:‏ إن الله قط سلط على كسرى ابنه شيرويه فقتله فدعاهما رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأخبرهما بقتل كسرى وقال لهما‏:‏ إن ديني وسلطاني سيبلغ ملك كسرى وينتهي منتهى الخف والحافر وأمرهما أن يقولا لباذان‏:‏ أسلم فإن أسلم أقره على ما تحت يده وأملكه على قومه‏.‏

ثم أعطى خرخسره منطقة ذهب وفضة أهداها له بعض الملوك‏.‏

وخرجا فقدما على باذان وأخبراه الخبر فقال‏:‏ والله ما هذا كلام ملك وإني لأراه نبيًا ولننظرن فإن كان ما قال حقًا فإنه لنبي مرسل وإن لم يكن فنرى فيه رأينا‏.‏

فلم يلبث باذان أن قدم عليه كتاب شيرويه يخبره بقتل كسرى وأنه قتله غضبًا للفرس لما استحل من قتل أشرافهم ويأمره بأخذ الطاعة له باليمن وبالكف عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏.‏

فلما أتاه كتاب شيرويه أسلم وأسلم معه أبناء من فارس‏.‏

وكانت حمير تسمى خرخسره صاحب المعجزة والمعجزة بلغة حمير المنطقة‏.‏

وأما هوذة بن علي فكان ملك اليمامة فلما أتاه سليط بن عمرو يدعوه إلى الإسلام وكان نصرانيًا أرسل إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وفدًا فيهم مجاعة بن مرارة والرجال بن عنفوة يقول له‏:‏ إن جعل الأمر له من بعده أسلم وسار إليه نصره وإلا قصد حربه‏.‏

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ لا ولا كرامة اللهم اكفنيه‏!‏ فمات بعد قليل‏.‏

وأما مجاعة والرجال فأسلما وأقام الرجال عند رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ حتى قرأ سورة البقرة وغيرها وتفقه وعاد إلى اليمامة فارتد وشهد أن رسول الله أشرك مسيلمة معه فكانت فتنته أشد من فتنة مسيلمة‏.‏

مجاعة بضم الميم وتشديد الجيم‏.‏

والرجال بالجيم المشددة وقيل بالحاء المهملة المشددة‏.‏

وعنفوة بضم العين وسكون النون وضم الفاء وفتح الواو‏.‏

وأما المنذر بن ساوى والي البحرين فلما أتاه العلاء بن الحضرمي يدعوه ومن معه بالبحرين إلى الإسلام أو الجزية وكانت ولاية البحرين للفرس فأسلم المنذر بن ساوى وأسلم جميع العرب بالبحرين‏.‏فأما أهل البلاد من اليهود والنصارى والمجوس فإنهم صالحوا العلاء والمنذر على الجزية من كل حالم دينار ولم يكن بالبحرين قتال إنما بعضهم أسلم وبعضهم صالح‏.‏

وولي الحج في هذه السنة المشركون‏.‏

وفي هذه السنة ماتت أم رومان وهي أم عائشة زوجة النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏

 ودخلت سنة سبع

 ذكر غزوة خيبر

لما عاد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ من الحديبية أقام بالمدينة ذا الحجة وبعض المحرم وسار إلى خيبر في ألف وأربعمائة رجل معهم مائتا فارس وكان مسيره إلى خيبر في المحرم سنة سبع واستخلف على المدينة سباع بن عرفطة الغفاري فمضى حتى نزل بجيشه بالرجيع ليحول بين أهل خيبر وغطفان لأنهم كانوا مظاهرين لهم على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقصدت غطفان خيبر ليظاهروا يهود عليه ثم خافوا المسلمين أن يخلفوهم في أهليهم وأموالهم فرجعوا ونزلوا بين رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ويهود فسار رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقال في مسيره لعامر بن الأكوع عم سلمة بن عمرو بن الأكوع‏:‏ احد لنا فنزل وحداهم والله لولا الله ما اهتدينا ولا تصدّقنا ولا صلّينا فأنزلن سكينةً علينا وثبّت الأقدام إن لاقينا فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ رحمك الله‏!‏ فقال له عمر‏:‏ هلا امتعتنا به يا رسول الله‏!‏ وكان إذا قالها لرجل قتل فلما نازلوا خيبر بارز عامر فعاد عليه سيفه فجرحه جرحًا شديدًا فمات منه فقال الناس‏:‏ إنه قتل نفسه‏.‏

فقال سلمة ابن أخيه للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ما قالوا فقال‏:‏ كذبوا بل له أجره مرتين‏.‏

فلما أشرف عليها قال لأصحابه‏:‏ قفوا‏.‏

ثم قال‏:‏ ‏(‏اللهمّ ربّ السموات وما وما أظلَلْلنَ وربّ الأرضين وما أقلَلْلنَ وربّ الشياطين وما أضلَلْنَ وربّ الرياح وما أذرَيْنَ نسألك خير هذه القرية وخير أهلها ونعوذ بك من شرّها وشرّ أهلها وشرّ ما فيها أقدموا بسم الله‏)‏‏.‏

وكان يقول ذلك لكل قرية يقدمها‏.‏

ونزل على خيبر ليلًا ولم يعلم أهلها فخرجوا عند الصباح إلى عملهم بمساحيهم فلما رأوا عادوا وقالوا‏:‏ محمد والخميس يعنون الجيش فقال ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ ‏:‏ الله أكبر إنا إذا نزلنا بساحة قوم ‏{‏فَسَاءَ صَبَاحُ المُنْذَرِينَ‏}‏ ‏[‏الصافات‏:‏ 177‏]‏‏.‏

ثم حصرهم وضيق عليهم وبدأ بالأموال يأخذها مالًا مالًا ويفتحها حصنًا حصنًا فكان أول حصن افتتحه حصن ناعم وعنده قتل محمود بن سلمة ألقي عليه منه رحىً فقتلته ثم القموص حصن بني أبي الحقيق وأصاب منهم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ سبايا منهم صفية بنت حيي بن أخطب وكانت عند كنانة بن الربيع بن أبي الحقيق فاصطفاها رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لنفسه وفشت السبايا في المسلمين وأكلوا لحوم الحمر الإنسية فنهاهم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عنها‏.‏

وكان الزبير بن باطا القرظي قد من على ثابت بن قيس بن شماس في الجاهلية يوم بعاث فأطلقه فلما كان الآن أتاه ثابت فقال له‏:‏ أتعرفني قال‏:‏ وهل يجهل مثلي مثلك‏!‏ قال‏:‏ أريد أن أجزيك بيدك عندي‏.‏

قال‏:‏ إن الكريم يجزي الكريم‏.‏

فأتى ثابت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال‏:‏ كان للزبير عندي يد أريد أن أجزيه بها فهبه به لي‏.‏

فوهبه له‏.‏

فأتاه فقال له‏:‏ إن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قد وهب لي دمك فهو لك‏.‏

قال‏:‏ شيخ كبير لا أهل له ولا ولد فاستوهب ثابت أهله وولده من رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فوهبهم له‏.‏

فقال الزبير‏:‏ أهل بيت بالحجاز لا مال لهم فاستوهب ثابت ماله من رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فوهبه له فمن عليه بالجميع‏.‏

فقال الزبير‏:‏ أي ثابت ما فعل الذي كان وجهه مرآة صقيلة يتراءى فيها عذارى الحي كعب بن أسد قال‏:‏ قتل‏.‏

فما فعل سيد الحاضر والبادي حيي بن أخطب قال‏:‏ قتل‏.‏

قال‏:‏ فما فعل مقدمتنا إذا شددنا وحاميتنا إذا كررنا عزال بن سموال قال‏:‏ قتل‏.‏

قال‏:‏ فما فعل المجلسان يعني بني كعب بن قريظة وبني عمرو بن قريظة‏.‏

قال‏:‏ ذهبوا‏.‏

قال‏:‏ فإني أسألك يا ثابت بيدي عندك إلا ما ألحقتني بهم فوالله ما في العيش بعدهم خير فقتله‏.‏

ثم افتتح رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ حصن الصعب وهو أكثرها طعامًا وودكًا ثم قصد حصنهم الوطيح والسلالم وكانا آخر ما افتتحه فخرج منه مرحب اليهودي وهو يقول‏:‏ قد علمت خيبر أنّي مرحب شاكي السّلاح بطلٌ مجرّب أطعن أحيانًا وحينًا أضرب إذا اللّيوث أقبلت تلهّب كان حمادى كالحمى لا يقرب وسأل المبارزة فخرج إليه محمد بن مسلمة وقال‏:‏ أنا والله الموتور الثائر قتلوا أخي بالأمس‏.‏

فأقره رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بمبارزته وقال‏:‏ اللهم أعنه عليه فخرج إليه فتقاتلا طويلًا ثم حمل مرحب على محمد بن مسلمة فضربه فاتقاه بالدرقة فوقع سيفه فيها فعضت به فأمسكته وضربه محمد بن مسلمة حتى قتله‏.‏

ثم خرج بعده أخوه ياسر وهو يقول‏:‏ قد علمت خيبر أنّي ياسر شاكي السّلاح بطلٌ مغاور وطلب المبارزة فخرج إليه الزبير بن العوام فقتله الزبير‏.‏

وقيل‏:‏ إن الذي قتل مرحبًا وأخذ الحصن علي بن أبي طالب وهو الأشهر والأصح‏.‏قال بريدة الأسلمي‏:‏ كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ربما أخذته الشقيقة فيلبث اليوم اليومين لا يخرج فلما نزل خيبر أخذته فلم يخرج إلى الناس فأخذ أبو بكر الراية من رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ثم نهض فقاتل قتالًا شديدًا ثم رجع فأخذها عمر فقاتل قتالًا شديدًا هو أشد من القتال الأول ثم رجع فأخبر بذلك رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال‏:‏ ‏(‏أمَا والله لأعطينّها غدًا رجلًا يحبّ الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله يأخذها عَنْوَةً‏)‏‏.‏

وليس ثم علي كان قد تخلف بالمدينة لرمد لحقه فلما قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ مقالته هذه تطاولت لها قريش فأصبح فجاء علي على بعير له حتى أناخ قريبًا من خباء رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو أرمد قد عصب عينيه فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏:‏ مالك قال‏:‏ رمدت بعدك‏.‏

فقال له‏:‏ ادن مني‏.‏

فدنا منه فتفل في عينيه فما شكا وجعًا حتى مضى لسبيله‏.‏

ثم أعطاه الراية فنهض بها وعليه حلة حمراء فأتى خيبر فأشرف عليه رجل من يهود فقال‏:‏ من أنت قال‏:‏ أنا علي بن أبي طالب‏.‏

فقال اليهودي‏:‏ غلبتم يا معشر يهود‏.‏

وخرج مرحب صاحب الحصن وعليه مغفر يماني قد نقبه مثل البيضة على رأسه وهو يقول‏:‏ قد علمت خيبر أنّي مرحب شاكي السّلاح بطلٌ مجرّب فقال علي‏:‏ ليثٌ بغاباتٍ شديدٌ قسورة فاختلفا ضربتين فبدره علي فضربه فقد الحجفة والمغفر ورأسه حتى وقع في الأرض وأخذ المدينة‏.‏

قال أبو رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ خرجنا مع علي حين بعثه رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ برايته إلى خيبر فلما دنا من الحصن خرج إليه أهله فقاتلهم فضربه يهودي فطرح ترسه من يده فتناول علي بابًا كان عند الحصن فتترس به عن نفسه فلم يزل في يده وهو يقاتل حتى فتح الله عليه ثم ألقاه من يده فلقد رأيتني في نفر سبعة أنا ثامنهم نجهد على أن نقلب ذلك الباب فما نقلبه‏.‏

وكان فتحها في صفر‏.‏

فلما فتحت خيبر جاء بلال بصفية وأخرى معها على قتلى يهود فلما رأتهم التي مع صفية صرخت وصكت وجهها وحثت التراب على رأسها فاصطفى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ صفية وأبعد الأخرى وقال‏:‏ إنها شيطانة لأجل فعلها‏.‏

وقال لبلال‏:‏ أنزعت منك الرحمة جئت بهما على قتلاهما‏!‏ وكانت صفية قد رأت في منامها وهي عروس لكنانة بن أبي الحقيق أن قمرًا وقع في حجرها فعرضت رؤياها على زوجها فقال‏:‏ ما هذا إلا أنك تتمنين محمدًا‏.‏

ولطم وجهها لطمة اخضرت عينها منها فأتي بها رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وبها أثر منها وسألها فأخبرته ودفع كنانة ابن أبي الحقيق إلى محمد بن مسلمة فقتله بأخيه محمود‏.‏

فلما سمع بذلك أهل فدك بعثوا إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يسألونه أن يسيرهم ويخلوا له الأموال‏.‏

ففعل ذلك ولما نزل أهل خيبر على ذلك سألوا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن يعاملهم في الأموال على النصف وأن يخرجهم إذا شاء فساقاهم على الأموال على الشرط الذي طلبوا وفعل مثل ذلك أهل فدك وكانت خيبر فيئًا للمسلمين وكانت فدك خالصة لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لأنهم لم يجلبوا عليها بخيل ولا ركاب‏.‏

ولما استقر رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أهدت له زينب بنت الحارث امرأة سلام بن مشكم شاة مصلية مسمومة فوضعتها بين يديه فأخذ رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ منها مضغة فلم يسغها ومعه بشر بن البراء بن معرور فأكل بشر منها وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ إن هذه الشاة تخبرني أنها مسمومة ثم دعا المرأة فاعترفت فقال‏:‏ ما حملك على ذلك قالت‏:‏ بلغت من قومي ما لم يخف عليك فقتل‏:‏ إن كان نبيًا فسيخبر وإن كان ملكًا استرحنا منه‏.‏

فتجاوز عنها‏.‏

ومات بشر من تلك الأكلة‏.‏

وقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في مرضه الذي مات فيه‏:‏ هذا الأوان وجدت انقطاع ولما فرغ رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ من خير انصرف إلى وادي القرى فحاصر أهله ليالي فافتتحه عنوة وفي حصارة قتل مدعم مولى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ الذي أهداه له رفاعة بن زيد الجذامي فقال المسلمون‏:‏ هنيئًا له الجنة‏.‏

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ كلا والذي نفس محمد بيده إن شملته الآن لتشتعل عليه نارًا وكان غلها من فيء المسلمين يوم خيبر‏.‏

فسمعه رجل فقال‏:‏ يا رسول الله أصبت شراكين لنعلين لي كنت أخذتهما‏.‏

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ يقد لك مثلهما من النار‏.‏

وترك رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ النخل والأرض في أيدي أهل الوادي وعاملهم نحو ما عامل أهل خيبر فبقوا كذلك إلى أن ولي عمر الخلافة فأجلاهم وقيل‏:‏ إنه يجلهم لأنها خارجة عن الحجاز‏.‏

وفي هذه السفرة أعني خيبر نام رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن صلاة الصبح حتى طلعت الشمس والقصة مشهورة‏.‏

وشهد معه نساء من نساء المسلمين فرضخ لهن من الفيء‏.‏

وفي هذه السفرة قال الحجاج بن علاط السلمي لرسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ لي بمكة مالٌ عند صاحبتي أم شيبة ابنة أبي طلحة وهي أم ابنه معرض بن الحجاج ومال متفرق بمكة فأذن لي يا رسول الله‏.‏

فأذن له‏.‏

فقال‏:‏ إنه لا بد من أن أقول‏.‏

قال‏:‏ قل‏.‏

فقدم الحجاج مكة فسأله أهل مكة عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وما صنع بخيبر ولم يكونوا علموا بإسلامه فقال لهم‏:‏ إن يهود هزمته وأصحابه وقتل أصحابه قتلًا ذريعًا وأسر محمد وقالت يهود‏:‏ لن نقتله حتى نبعث به إلى مكة فقتلوه‏.‏

فصاحوا بمكة بذلك فقال‏:‏ أعينوني في جمع مالي حتى أقدم خيبر فأصيب من فل محمد وأصحابه قبل أن يسبقني التجار‏.‏

فجمعوه كله كأحث شيء‏.‏

فأتاه العباس وسأله عن الخبر فأخبره بعد أن جمع ماله بفتح خيبر وأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أخذ صفية بنت حيي لنفسه وأنه قدم لجمع ماله وسأله أن يكتم عنه ثلاثًا خوف الطلب‏.‏

فكتم العباس الخبر ثلاثًا بعد مسيره ثم لبس حلة له وخرج فطاف بالكعبة فلما رأته قريش قالوا‏:‏ يا أبا الفضل هذا والله التجلد‏.‏

قال‏:‏ كلا والله‏!‏ لقد افتتح محمد خيبر وأخذ ابنة ملكهم وأموالهم‏.‏

وأخبرهم بخبر الحجاج‏.‏

فقالوا‏:‏ لو علمنا لكان له ولنا شأن‏.‏

وقسم من أموال خيبر الشق والنطاة بين المسلمين وكانت الكتيبة خمس الله والرسول وسهم ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل فطعم أزواج النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وطعم رجال مشوا بين رسول الله وأهل فدك بالصلح وقسمت خيبر على أهل الحديبية فأعطي الفرس سهمين والرجل سهمًا‏.‏

وأقر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أهل خيبر بخيبر وأبو بكر بعده وعمر صدرًا من إمارته حتى بلغه أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال في مرضه الذي مات فيه‏:‏ لا يجتمع بجزيرة العرب دينان فأجلى عمر من يهود من لم يكن معه عهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

سلام بن مشكم بتشديد اللام ومشكم بكسر الميم وسكون الشين المعجمة‏.‏

والحقيق بضم الحاء المهملة وبقافين‏.‏

وأخطب بالخاء المعجمة وآخره باء موحدة‏.‏

ومعمرور بالعين المهملة وبعده راءان مهملتان‏.‏

وعلاط بكسر العين المهملة وطاء مهملة‏.‏

 

ذكر فدك

لما انصرف رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ من خيبر بعث محصة بن مسعود إلى أهل فدك يدعوهم إلى الإسلام ورئيسهم يومئذ يوشع بن نون اليهودي فصالحوا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ على نصف الأرض فقبل منهم ذلك وكان نصف فدك خالصًا لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لأنه لم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب يصرف ما يأتيه منها على أبناء السبيل ولم يزل أهلها بها حتى استخلف عمر بن الخطاب وأجلى يهود الحجاز فبعث أبا الهيثم بن التيهان وسهل بن أبي خيثمة وزيد بن ثابت فقوموا نصف تربتها بقيمة عدل فدفعها إلى يهود وأجلاهم إلى الشام ولم يزل رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي يصنعون صنيع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بعد وفاته‏.‏

فلما ولي معاوية الخلافة أقطعها مروان بن الحكم فوهبها مروان ابنيه عبد الملك وعبد العزيز ثم صارت لعمر بن عبد العزيز وللوليد وسليمان ابني عبد الملك بن مروان فلما ولي الوليد الخلافة وهب نصيبه عمر بن عبد العزيز ثم ولي سليمان الخلافة فوهب نصيبه منها أيضًا عمر بن عبد العزيز فلما ولي عمر بن عبد العزيز الخلافة خطب الناس وأعلمهم أمر فدك وأنه قد ردها إلى ما كانت عليه مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأبي بكر وعمر وعثمان وعلي فوليها أولاد فاطمة بنت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ثم أخذت منهم‏.‏

فلما كانت سنة عشر ومائتين ردها المأمون إليهم‏.‏

محيصة بضم الميم وفتح الحاء المهملة وتشديد الياء المثناة من تحت وكسرها وآخره صاد مهملة‏.‏

والتيهان بفتح التاء فوقها نقطتان وتشديد الياء تحتها نقطتان وكسرها‏.‏

وفي هذه السنة رد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ابنته زينب على أبي العاص بن الربيع زوجها في المحرم‏.‏

وفيها قدم حاطب من عند المقوقس بمارية أم إبراهيم ابن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأختها شيرين وبغلته دلدل وحماره يعفور وكسوة فأسلمت مارية وأختها قدومهما على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فأخذ مارية لنفسه ووهب شيرين حسان بن ثابت الأنصاري فهي أم ابنه عبد الرحمن فهو وإبراهيمابنا خالةٍ‏.‏

وفيها اتخذ منبره وقيل‏:‏ إنه عمل سنة ثمان وهو الثبت‏.‏

وفيها بعث رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عمر بن الخطاب في ثلاثين رجلًا إلى عجز هوازن فهربوا منه ولم يلق كيدًا‏.‏

وفيها كانت سرية بشير بن سعد والد النعمان بن بشير الأنصاري إلى بني مرة بفدك في شعبان في ثلاثين رجلًا أصيب أصحابه وارتث في القتلى ثم رجع إلى المدينة‏.‏

وفيها كانت سرية غالب بن عبد الله الليثي إلى أرض بني مرة فأصاب مرداس بن نهيك حليفًا لهم من جهينة قتله أسامة بن زيد ورجل من الأنصار‏.‏

قال أسامة‏:‏ لما غشيناه قال‏:‏ أشهد أن لا إله إلا الله فلم ننزع عنه حتى قتلناه فلما قدمنا على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أخبرناه الخبر فقال‏:‏ كيف تصنع بلا إله إلا الله‏!‏ وفيها كانت سرية غالبة بن عبد الله أيضًا في مائة وثلاثين راكبًا إلى بني عبد بن ثعلبة فأغار عليهم واستاق النعم إلى المدينة‏.‏

وفيها كانت سرية بشير بن سعد إلى اليمن والجناب في شوال‏.‏

وكان سببها أن جبيل بن نويرة الأشجعي كان دليل رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى خيبر قدم على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فأخبره أن جمعًا من غطفان بالجناب قد أمدهم عيينة بن حصن وأمرهم بالمسير إلى المدينة فبعث النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بشيرًا فأصابوا نعمًا وقتلوا مولى لعيينة ثم لقوا جمع عيينة فهزمهم المسلمون وانهزم عيينة فلقيه الحارث بن عوف منهزمًا فقال له‏:‏ قد آن لك أن تقصر عما مضى‏.‏

حاطب بالحاء المهملة وآخره باء موحدة‏.‏

وبشير بفتح الباء الموحدة وكسر الشين المعجمة وآخره راء والد النعمان بن بشي‏.‏

وعيينة بضم العين وفتح الياء المثناة تحتها نقطتان وسكون الياء الثانية وبعدها نون تصغير عين‏.‏

 ذكر عمرة القضاء

لما عاد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ من خيبر أقام بالمدينة جماديين ورجب وشعبان ورمضان وشوالًا يبعث السرايا ثم خرج في ذي الحجة معتمرًا عمرة القضاء وساق معه سبعين بدنةً وخرج معه المسلمون ممن كان معه في عمرته الأولى‏.‏

فلما سمع به أهل مكة خرجوا عنه وتحدثت قريش بينها أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأصحابه في عسر وجهد فاصطفوا له عند دار الندرة فلما دخلها اضطبع بردائه فأخرج عضده اليمنى ثم قال‏:‏ ‏(‏رحم الله أمرًا أراهم اليوم من نفسه قوّةً‏)‏‏.‏‏!‏ ثم استلم الركن وخرج يهرول ويهرول أصحابه معه وكان بين يديه لما دخل مكة عبد الله بن رواحة آخذًا بخطام ناقته وهو يقول‏:‏ خلّوا بني الكفّار عن سبيله خلّوا فكلّ الخير في رسوله يا ربّ إنّي مؤمنٌ بقيله أعرف حقّ الله في قبوله نحن قتلناكم على تأويله ويذهل الخليل عن خليله وتزوج النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في سفره هذا بميمونة بنت الحارث وأقام بمكة ثلاثًا فأرسل المشركون إليه مع علي بن أبي طالب ليخرج عنهم‏.‏

فقال‏:‏ ما عليهم لو أعرست بين أظهرهم وصنعنا لهم طعامًا فحضروه معنا فقالوا‏:‏ لا حاجة لنا في طعامه‏.‏

فخرج عنهم وبنى بميمونة بسرف ثم انصرف إلى المدينة فأقام بها بقية ذي الحجة والمحرم وصفر وشهر ربيع وبعث جيشه الذي أصيب بمؤتة وولي تلك الحجة المشركون‏.‏

وفيها كانت غزوة ابن أبي العوجاء السلمي إلى بني سليم في ذي القعدة فلقوه فأصيب هو وأصحابه وقيل‏:‏ بل نجا وأصيب أصحابه‏.‏